ولزم بسام الصمت وقد أسقط في يده ولبث لبرهة واجما ش..." /> ولزم بسام الصمت &..."> قصة (بين مدينتين) 3

موقع الأديب سعيد العلمي. منذ 2020/10/2 WEB del escritor Saïd Alami. Desde 2/10/2020 |
ALBUM DE FOTOS | LIBRO DE VISITAS | CONTACTO |
 
 

WWW.ARABEHISPANO.NET المـوقـع الـعـربي الإسـباني


(إسبانيا) موقع الأديب سعيد العلمي

WEB del escritor y poeta Saïd Alami

وجوديات
وجدانيات
القصيدة الوطنية والسياسية
قصص سعيد العلمي
الصوت العربي الإسباني
POESÍA
RELATOS de Saïd Alami
La Voz Árabe-Hispana
Artículos de archivo, de Saïd Alami

 

ولزم بسام الصمت وقد أسقط في يده ولبث لبرهة واجما شارد النظر صوب الأفق الأزرق المستـلقي فوق العـمق الأخضر بجباله الشاهقة ذات الذرى الثـلجية، تماما كما كان يفعل في تلك اللحظة محدثه العـنيد… بل لربما كانا يرقبان نفس النقطة في الفضاء المفتوح أمامهما

ولزم الرجلان الصمت لبرهة الى أن نطق بسام هازا رأسه كعادته ولكن هذه المرة فيما ينم عن الأسى:

- معك حق يا رمزي… ولكن أين المفر؟

ولم يرد رمزي وساد الصمت مجددا وكلاهما يهيم وجدانه في موقع هناك بين الجبال والسماء لا يعرفانه ولكنهما يشعران به، كل منهما على طريقته. ولم يكن أي منهما يشعر بوجود رفاقهما القابعين خلفهما في غرفة الانتظار اذ كانوا قد لزموا الصمت بين مصغ لمناقشتهما وسارح في هموم يومه وحاله أو قلق أيما قلق على حياة حازم

وارتفع صوت بسام من جديد مترددا بين جدران الغرفة وقد طرأ عليه اختلاف ورخامه كأنما صاحبه انسان غير بسام:

- هنا عشنا حياتنا وعـلينا أن نواصل الطريق. ولا ينسين أحد منا أن لهذا البلد الذي أحببناه سنينا طويلة من عمرنا خصال حميدة كثيرة هيهات أن نعـثر عليها في أي بلد من بلادنا

واسترق بسام نظرة تجاه رمزي عاد بعدها ينشد موقعا لبصره بين الزرقة والخضرة أو على قمم الجبال فلحظ ما يشبه ابتسامة ارتسمت على شفتي محدثه وخالها مشوبة بالسخرية حتى جاءه صوت رمزي يقول متسائلا في تعجب:

- خصال حميدة؟!. ومن ينكر ذلك يا بسام؟. ولكن هذا المجتمع ذو الخصال الحميدة ينكر علينا خصالنا الحميدة كلها حتى أصبحنا في نظره مجردين من أية كرامة. فماذا تـفيدنا بعد ذلك خصاله الحميدة؟!

وجاءهما صوت من ورائهما قائلا بتهكم وظرافة وبلهجة سورية:

- لأ وشو؟. جميعـنا تـقريبا متـزوجين منهم وابناءنا نصف دمائهم منهم. ولي على قائمتنا شو هبل!!

وقهقه رمزي وبسام ضاحكين معا في الوقت الذي التـفتا فيه الى صاحب الصوت فاذ به الدكتور وسيم وقد التفت اليه كل من الغرفة بين ضاحك ومقهقه. الا أن المرح سرعان ما تلاشى من جو الغرفة اذ تـنبه الجميع الى السبب الذي اجتمعـوا هناك من أجله

وعاد رمزي وبسام الى وضعهما الاول ساهمي النظر عبر النافذة وعاد الصمت يخيم على الغرفة

ثم قال رمزي:

- ألأننا أمضينا ثلاثين سنة في هذه الديار أصبح محتما علينا أن نضيع فيها ما تبقى من العمر؟!. أم علينا أن ننتظر ميتة مفاجئة أو حادثا بشعا كالذي أصاب حازم؟!

- مسكين حازم. كان الله في عونه. - ونحن أيضا مساكين ومثـله نحن مصابون وجرحى ولكننا لا نـنـتـبه. الفرق بيننا وبينه أن حالته أصبحت الآن تفوق حالتنا خطورة وأنه ينزف الى الخارج ونحن ننزف الى الداخل. أتعلم يا بسام؟

- ماذا؟

- منذ سنين وحازم عازم على الرحيل الى بلد عربي، لكن ظروفا تعـيقه يوما وأخرى يومين… وهلم جرا حتى اليوم

- ألم يستـقر في بلد عربي قبل عشرين سنة ثم عاد الى اسبانيا مقسما أنه لن يبارحها

- - نعم. كان ذلك منذ أمد بعيد عندما لم نكن نشعر بوطأة الغربة وسط مجتمع اسباني كريم

والتفت رمزي وبسام تجاه باب الغـرفة إذ جاءهما صوت قوي فوجدا ممرضا بزيه الأبيض يقف بالباب سائلا بالاسبانية:

- من منكم هو السنيور رمزي؟

- وهتـف رمزي وقد اعـتراه من جديد قـلق عظيم:

- أنا رمزي

- الدكتور أحمد يدعوك الى الدخول الى غرفة العناية المركزة

- واندفع رمزي صوب الممرض وخلفه بسام وقد انتفض كل من في الغرفة وقوفا

وهرع الممرض مسرعا عبر الممر وخلفه رمزي مهرولا يلازمه بسام الذي لم يكن يملك سوى أن يتبعه رغم علمه بأنه لن يسمح له بالدخول لرؤية رمزي. وكانت الأمتار القليلة التي اجتازها رمزي صوب غرفة العناية المركزة كافية لتوفير وقت اضطرمت فيه بين صدغـيه وفي فؤاده شتى ضروب المشاعر المشوبة بالقلق والخوف والتوجس وما يشبه الهلع ان لم يكن هو الهلع بعـينه

وعلى باب العناية المركزة دفع الممرض الى رمزي بثياب معـقمة خضراء اللون ساعده على ارتدائها فوق ثيابه بما في ذلك خفين قماشيين انتعـلهما فوق حذائيه. ودفع ضفتي الباب المؤدي الى القاعة المهيبة وخلفه رمزي واجما لا ينبس بكلمة فارتدت ضفتا الباب تلقائيا لوضعهما الاول لتغلقا في وجه بسام الذي ظل للحظة متسمرا في مكانه خلف الباب الى أن راح يدور حول نفسه في مشية عصبية شبك فيها يداه خلف ظهره غارزا نظره في مداس قدميه

تعـثر رمزي سيرا خلف الممرض بين صفين من السرائر ونظره يتردد بينها وجلا لا يلوي على شئ باحثا عن صديق العـمر بعـينين زائغـتين مرتطما نظره بمأساة مسجاة الى جانب مأساة وقد تـكدست عند رأس كل مريض أجهزة ذات أضواء لا تـقل ترددا عن نظره فكأنما هي بدورها تجفل من أن تبوح بالحقيقة فاذ بها مترددة في وميضها أو هابطة صاعدة في مسار خطوطها الضوئية … بل أن بعـض تلك الأجهزة كان يصفر ويولول على ايقاعات الوميض فكأن الجماد استحال في تلك القاعة المشؤومة حيا واعيا وفؤادا هاميا ملتاعا بينما البشر استحالوا جمادا صف على سرائر كأنها فوهات قبور. كل هذا مر في خلد رمزي مرور البرق قبل أن يكـف عن السير ليقف مع الممرض بجانب سرير في آخر القاعة

بهت رمزي وهو ينظر للمسجى على السرير أمامه والتفت الى الممرض ليستقرأ الحال عبر نظراته فاذ به قد اختفى فكأنه ما وجد قط ، فارتد بصره الى محيا صديقه فألفاه مغـمض العينين مستغرقا في سبات عميق وقد اخترق أنفه وذراعه اليمنى أنبوب وحـقـنة وتدلى من فراشه كيس بلاستيكي شفاف فيه ما تبوله المريض وفوق رأسه على رفوف كانت هناك أجهزة تومض وتخطط وتولول في مراقبة دقيقة لمدى بعد المريض عن الموت ومدى التصاقه بالحياة

وهوى رمزي في بئر الأسى للحظات انتبه بعدها الى الدكتور أحمد وبرفـقته طبيب آخر وهما يقفان بجانبه ويرقبان بصمت وجه حازم . وأمسك الدكتور أحمد بذراع رمزي برفق وقال له بصوت خفيض مومئا بعينيه ناحية زميله:

- انه الدكتور مارتينيث الذي أجرى العملية الجراحية لحازم وهو راغب في الحديث اليك

وتبادل رمزي والدكتور مارتينيث الذي كان قد التقاه قبل ذلك بنحو ساعة نظرة مجاملة تصافحا على اثرها بهدوء قبل أن يدعوه الطبـيـبان الى مرافـقتهما بعيدا عن سرير الجريح

واعترى رمزي قلق شديد كان انعكاسا لسيمات القلق التي بدت جلية على وجهي الطبيبين وعاجله الدكتور مارتينيث قائلا بدون مقدمات:

- كان آخذا بالاستيقاظ بعد انتهاء العملية وقد استبشرنا خيرا لكنه ما أن نقلنا سريره الى هذه القاعة حتى غاب عنا من جديد

ولاذ الطبيب بالصمت لهنيهة وهو يتفحص وجه رمزي الى أن قال وبصيص أمل يطل من عينيه مرسلا الى عيني رمزي فيسترد هذا بعض الرطوبة في حلقه بعد أن كان قد جف اثر سماع العبارة الأولى:

- العملية كما شرح لك الدكتور أحمد كانت ناجحة رغم انها كانت معـقدة وكنا آملين بأن الرجل سيمضي قدما في استرداد صحته لكننا فوجئنا بهذا التحول غير المنـتظر

وتدخل الدكتور أحمد ليقول :

- نبضات القلب والضغط الدموي والتنفس تسير على ما يرام بالنسبة لرجل في وضعه … لكنه لا يفيق من غيبوبته

كان الرجال الثلاثة يتحدثون وقوفا في إحدى زوايا القاعة وحركة الأطباء والممرضين والمساعدين حولهم لا تهدأ للحظة. وقال الدكتور مارتينيث:

- صديقك ردد اسمك عدة مرات عندما كان في مرحلة الاستيقاظ … لم يردد سوى اسمك … ولقد سألت عنك فأخبروني أنكما صديقان منذ الصغـر

وردد رمزي متمتما يحاول استجماع قوته وأفكاره:

- نعم . بالفعـل

- لذلك طلبتك فان صديقك بحاجة ماسة الى مساعدتك

ونظر اليه رمزي متسائلا مشتت الفكر منفطر القلب فاستطرد الطبيب قائلا:

- صديقك ليس في غـيـبوبة عـميـقة بـعـد … لكنه يمكن أن يكون متجها إليها الآن

ونطق رمزي يسأل مستميتا كمن يوجد في اللحظة السابقة لقفزه الى اللج العـميق لانقاذ عزيز عليه من بين اضراس موج هادر حتى لو كلفته المحاولة حياته:

- وماذا بيدي أن أفعل ؟ انني مستعـد لأي شئ

- بيدك الكثير . أنت من يستطيع أن يخرجه من غيبوبته هذه

- كيف؟

- يكفي أن تحدثه… تكلمه … مذكرا اياه بأيام صباكما … داعيا اياه لأن يسمعك وأن يستجيب إليك بفتح عينيه فان لم يستطع فـبتحريك يده فان لم يستطع فبتحريك شفتيه لا أكثر

وتدخل الدكتور أحمد من جديد:

- اننا على يقين من أنك ستـنـتـشله من غيبوبته قبل أن يزداد سقوطا في أعماقها

ورد رمزي قائلا بحماس شديد :

- سأفعل كل ما بوسعي. إن هناك الكثير لأحكيه له

وهنا اتجه الدكتور مارتينيث سائلا الدكتور أحمد:

- ألا تعرفون شيئا عن زوجة صديقكما؟ ألم تصل بعـد ؟

فأجابه الدكتور أحمد:

- كلا. لم تصل بعد. اننا بانتظار وصولها من لحظة الى أخرى. الرحلة من بلدها الى مدريد ليست بالقليلة

وضغـط الدكتور مارتينيث شفتيه ورفع حاجبيه علامة التعجب قبل أن يـبتعـد عـنهما عبر القاعة المهيـبة

وأسدلت الستائر البلاستيكية البيضاء حول سرير حازم وجلس رمزي إلى يساره على كرسي حتى أصبح فمه بمحاذاة أذن صديقـه . ودعا الدكتور أحمد ممرضة وطلب منها انتباها خاصا الى حازم ورمزي حتى تبلغه فورا بحدوث أي تغير يطرأ على حالة المريض. وأصبح رمزي وصديقه لوحدهما بين جدران بلاستيكية ثلاثة ورابع اصطفت على رفوفه الأجهزة الطـبية

ونظر رمزي الى وجه حازم وقد بدا شاحبا بعينين مـغـمضتين وشفتين مطبقـتين جافـتين. ولم يدر كيف يبدأ حديثه لـصديقه رغم وعيه بأنه كان في سباق مع الزمن. ووجد نفسه في موقف حرج للغاية… فمن أين يبدأ؟ ماذا يقول له؟ أيقول له هيا استيقظ يا حازم فان الحياة ما زالت أمامك رحبة وهنالك الكثير بعـد كي تعيشه؟. فكر بهذا ولكنه لم ينطق به. وتفحص بعـينيه من جديد وجه صاحبه فاذ بصورة هذا الوجه صبيا نضرا تحط على عـقله كما يحط عصفور وديع على غصن دون غيره من الاغصان ودون سابق إنذار. وإذ بأمواج الخليج تـتردد وديعة كعادتها هي أيضا على أمتار قليلة منهما، هو وحازم …هناك على الشاطئ … والجو لطيف والليل يملأ فضاء الأرض والبحر لا تهتـك ظلمته سوى أضواء المصابيح المصطفة عل جانبي شارع الخليج… أتذكر يا حازم؟… أتذكرها من أيام عـشناها وما كنا نشعر أنها كانت تـتـفلت من أيدينا خلسة تماما كما يتـفـلت العـمر رويدا رويدا دون أن ننتبه اليه... أتذكر تلك الأيام والليالي العـصـيبة من شهر مايو من كل عام عندما كنا ندخل معـمعـة الامتحانات النهائية ... أتـذكر دراستنا سويا استعـدادا لامتحانات التوجيهية جلوسا تحت مصابيح شارع الخليج شأننا شأن العشرات من أترابنا المتـناثرين هنا وهناك على الشاطئ؟

وانتبه رمزي الى نفسه متحدثا الى صديقه وانتبه الى دموع تهمي على خديه فلم يأبه بها ولم يحول نظره عن وجه حازم متـشبثا بالعـصفور الوديع وبالوجه الـنضر وبالشاطئ وأمواجه والليل البديع … نعم … وبمراهقين تحلقوا تحت الأضواء المشعـشعة بحجة استذكار دروسهم بين دفات كتب ودفاتر تـسـترق عيونهم الغــضّة نظرات وجله تجاه الليل البهيم الجاثم على صفحة المياه فلا يكادون يدركون له بعدا ولا عـمقا فيرتدون بنظرهم جزعين صوب صحب وكتب وبسمعهم الى أصوات مناقشات كانت تدور قريبا منهم بل وإلى أغاني كانت تـنبعـث من حناجر الشباب من حولهم مرفقة بالصفقات الخليجية الحلوة. أتذكر يا حازم أغنيتـك المفضلة آنذاك " صوت السهارى" وكيف كنت تغـنيها لوقت طويل دون ملل ولا سأم فما أن تسمع أحدهم يطلقها من حولنا حتى تطـلق العـنان لصوتك البديع محاكيا صاحب الأغنية عوض دوخي لتـلـم عـلينا الساهرين من حولنا حالما يسمعون منك : " صوت السهارى يوم / طلوا علي / عـصرية العـيد"… إلى أن تـقول : " ياللي بقيت بعيد اليوم دا يوم عيد… عيدك وعيدي أنا " ؟. هذه الأغنية التي كانت تثير بكاءك في سنوات غربتـنا الأولى ثم لم أسمعك تغـنيها بعد ذلك … بل لم أسمعك تغـني قط منذ سنوات طويلة. إيه يا حازم … لو أنك تفيق إلي وتـنهض لكانت لنا عندئذ رحلة جديدة إلى أرض الكويت حيث الجنة المفقودة من حياتنا والتي نكاد نلمسها بأصابعـنا كلما عدنا الى تلك المراتع . أتذكر تلك الحلقات السامرة … وما كان يدور بيننا فيها من نقاشات سياسية ووطـنية لا أول لها ولا آخر … ولكن دعـنا من هـذا وتذكر معي ما كنا نتجاذبه فيها من سير مـغامرات غرامية ما كنا نعرف إليها سبيلا على أرض الواقع وحكايات عن بنات كنا نشاهدهن خلسة وننسج عنهن في حلقاتنا من القصص ما لم يكن هناك سبيل إلى حياكته فعلا وعـملا

يتبع في الجزءالأخير 4

DEJE AQUÍ SU COMENTARIO    (VER COMENTARIOS)


COMPARTIR EN:

Todos los derechos reservados كافة الحقوق محفوظة - Editor: Saïd Alami محرر الـموقـع: سـعـيـد العـَـلـمي
E-mail: said@saidalami.com