اللغة العـربية ... من يتـقـنها من العـرب... من يحميها من ال..." /> اللغة العـربية ... من ي&#..."> مأساة اللغة العربية

موقع الأديب سعيد العلمي. منذ 2020/10/2 WEB del escritor Saïd Alami. Desde 2/10/2020 |
ALBUM DE FOTOS | LIBRO DE VISITAS | CONTACTO |
 
 

WWW.ARABEHISPANO.NET المـوقـع الـعـربي الإسـباني


(إسبانيا) موقع الأديب سعيد العلمي

WEB del escritor y poeta Saïd Alami

وجوديات
وجدانيات
القصيدة الوطنية والسياسية
قصص سعيد العلمي
الصوت العربي الإسباني
POESÍA
RELATOS de Saïd Alami
La Voz Árabe-Hispana
Artículos de archivo, de Saïd Alami

 

اللغة العـربية ... من يتـقـنها من العـرب... من يحميها من العـرب؟!

بقلم ســعـيد الـعـلمي

نشرت في صحيفة الخليج في 24 فبرابر 2003

كلنا يعرف ما تعانيه اللغة العربية من تراجع أمام اللغات  الأوروبية الرئيسة  ومن مشاكل خطيرة تهددها منذ بداية القرن العشرين في الوقت الذي بدأ فيه أبناء العربية نفسها يتهمونها به بعدم ملاءمتها للعصر وعدم قدرتها على مواكبة التقدم العلمي والتقني الهائل الذي تشهده البشرية .

 وكلما قمت بزيارة إلى المنطقة العربية إزددت هلعا من تكاثر أشباه المثقفين من مُدّعي إتقان اللغة الإنجليزية أو الفرنسية ممن يخلطون باستمرار كلمات وعبارات من هاتين اللغـتين بحديثهم سواء ان كان باحدى اللهجات العامة ام باللغة  شبه الفصحى والتي نطلق عليها بكثير من التساهل والتغاضي اسم   (الفصحى) متناسين أن الفصحى لا تتقنها إلا أقلية ضئيلة جدا من المثقفين العرب تنحصر في نسبة  من المختصين باللغة العـربية ومن المشايخ من خريجي الأزهر وغيره من الجامعات الإسلامية.

وتسجّل ظاهرة الرطن بكلمات وعبارات إنجليزية أو فرنسية بين متحدثين من العرب إنتشارا حثيثا هو بحد ذاته إهانة للغة العربية وللقومية العربية وللحضارة العربية الإسلامية. وبينما كانت هذه الظاهرة منحصرة في السبعينات بين فئات من خريجي الجامعات بينهم من لمْ تطأ أقدامه أرضاً خارج الوطن العربي، أصبحتُ أجد أن هذه الظاهرة قد استشرَت لدرجة أن البقالين والجزّارين وربّات البـيوت والخبّازين وغـيرهم من أصحاب المهن أصبحوا أيضا يرطنون بالانجليزية او بالفرنسية أثناء حديثهم باللغة العربية بل وفي الأحاديث التي يتبادلونها في بيوتهم مع أفراد عائلاتهم وأبنائهم.

 وبما أنني أقيم في بلدٍ أوروبي حيث لا يُوجد أثر لمِثل هذه الظاهرة الشنيعة – وهو ما يجري أيضا في معـظم أنحاء أوروبا- فإنني أستهجن هذه العادة الذميمة في مجتمعاتنا العـربية وأنظر إلى أصحابها نظرتي للمهرِّجين ولكن بفارقٍ حاسم لصالح المُهَرجين، فهؤلاء يقومون بواجبهم وبعملهم في السيرك ولا يهرّجون طيلة الأربع والعشرين ساعة من حياتهم كما يفعل هؤلاء المتبرنطون والمتأمركون والمتفرنسون العرب. فإنه لمِن الإستحالة تقريبا أن تجد مواطـنا إسبانيا أو فرنسيا أو ألمانيا يخلط بحديثة بلغـته الأم كلمات وعبارات من لغة أجنبية، فكل مجتمع أوروبي - رغم قيام الوحدة السياسية والاقتصادية الأوروبية-  يفخر بهويته اللغـوية لدرجة الغـطرسة، بـيـنما يخجل الملايين من العـرب من الخليج إلى المحيط من لغـتهم الأم التي اختارها الله تعالى للقرآن الكريم . وإنني لأعجب أشد العجب وأنا أستمع للبعض من المسلمين ممن لا يقطعـون فرضا بل يحفظون الكثير من السور القرآنية عن ظهر قلب وهم  يشوّهون حديثهم باللغـة العربية أو بإحدى اللهجات المحلية  بدسِّ كلماتٍ وعباراتٍ  ومُسميات إما إنجليزية وإما فرنسية.       

 وتسير هذه المشكلة في المشرق العربي فيما يتعلق بالرطن بالإنجليزية تجاه مستقبل ستصل فيه الى درجة من الخطورة لا تقل عن التي تعاني منها المغرب والجزائر وتونس حيث اللغة العربية تكاد تُستخدم بشكل هامشي تحت سطو اللغة الفرنسية، وهي الظاهرة التي تبذل فرنسا من أجل الاحتفاظ بها الغالي والنفيس في حرب ضروس لا هوادة فيها على اللغة العربية.

  إزدواجية اللغة عند المواطن العربي

وواقع الأمر أن المواطن العربي  يعاني منذ نعومة أظفاره  من فوضى لغـوية مستفحلة ومن إحباط شديد كلما قارن وضعه اللغوي بوضع أصحاب اللغات الأوروبـية. فالعربي، أينما كان، يعاني من ظاهرة ازدواج اللغة الأم  فهو يتكلم في البيت وفي الشارع لغة هي لهجته المحلية بينما يتلقى علومه وثقافته ومعلوماته سواء في المدرسة أم في المساجد والكنائس وعبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة بلغة أخرى هي اللغة العربية الفصحى التي  يُقال له أنها لغـته الأم ولسانه الحقيقي، غير أنها في الواقع لغة مؤقته نستخدمها ونسمعها على فترات متباعـدة وقصيرة  من حياتنا اليومية. أما في المغرب والجزائر وتونس فإن المواطن يتخبط بين  ثلاث لغات هي لهجته المحلية والفرنسية والفصحى.

  وتؤدي هذه الظاهرة الخطيرة إلى ضيق آفاق الثقافة في العالم العربي لتنحصر في كل بلد عربي في شريحة اجتماعـية  صغـيرة تتكلم وتكتب وتفهم الفصحى . أما باقي شرائح المجتمع والتي تشكل غالبيته العظمى فإنها تظل مستـثـناة من الفصحى، وبالتالي من استيعاب الإمكانات الثقافية المتاحة ومضمونها من معانٍ ومعلومات على كافة الأصعـدة.

 أما المواطن الإنجليزي أو الفرنسي أو الإسباني  – على سبيل المثال – فمهما كان مستواه الثقافي أو العـلمي فانه يتكلم في البيت وفي الشارع  ويمارس في المدرسة ومنذ نعـومة أظفاره نفس اللغة التي تستخدمها وسائل الإعلام  ودور العبادة والكتب والسينما. إنها لغة واحدة لا تتغـير وقد يكون اطلاع الإنسان الأوروبي عليها محدودا أو واسعا، وقد يَعرف من مفرداتها القليل أو الكثير ولكنها تظل لغة واحدة لا بلبلة فيها ولا فوضى. بل إنني لأشعر بكثير من الحـسد إذ استمع لفلاحين إسبان من منطقة إكستريمادورا وهم يتكلمون فيما بينهم مستخدمين كلمات وتعابـير لغـوية على درجة من الرقي لا تقل عـما نقرأه في روايات الكاتب الاسباني الكبير ميغيل ديليـبـيس المنتمي لنفس ذلك الريف الواقع غـربي إسبانيا.

 إن المجتمعات العربية تعـيش حالة من التمزق بين اللغة الفصحى و لهجات عـربـية لا  حصر لها فإضافة إلى اللهجة الرئيسية المسيطرة في كل بلد عربي هناك الكثير من اللهجات الأخرى التي تتعايش معها. ونعـني هنا بالتحديد اللهجات العـربية ولا نشير الى الأقليات اللغوية الموجودة في العالم العربي منذ قديم الزمان مثل الكردية والأمازيغية والنوبـية ولغات أخرى أقل انتشارا. ومما يزيد الطين بـلّـة أنك لا تجد  اللغة الفصحى المتـقـنة بشكل لائق - ولا أقول بشكل كامل – ولا حتى بين المدافعـين عـنها إذ أن قِـلة قليلة منهم هي التي تتمتع بهذه المقدرة.

 ويُلاحظ أنه كلما انعـقـد محفل لدراسة وضع اللغة العربية لدى أمتها وفي موطنها وُجهت أصابع الإتهام بشكل رئيسي إلى اللهجات العامية ثم إلى اللغة الإنجليزية أو الفرنسية. ومما لاشك فيه وجود علاقة بـين  مشكلة الدّس اللغـوي (الرطن أثناء الحديث بالعـربية) من جهة ومشكلة الإزدواجية اللغـوية من جهة أخرى. ولعـل ما يحدث منذ عـقود من الزمان هو هروب المجتمعات العربية  من هذه الفوضى اللغـوية الهائلة التي تعاني منها تجاه لغة إنجليزية أو فرنسية تتوهّم أنها توفر لها الأمن اللغـوي والتوحّد اللغـوي الذي تتمتع به شعـوب أوروبا وأمريكا الشمالية.

 ومن الملاحظ أيضا أن هذه المحافل ووسائل الإعلام والمسؤولين لا يـعتبرون أن  ازدواجية اللغة تسبب حالة من الفوضى اللغوية فلا يجري الإشارة من قريب أو بعيد إلى وجود هذه المشكلة الخطيرة في المجتمعات العربية، بل ينظرون إلى العامية على أنها عدو للفصحى، وأنها هي المتسبب الأول في ضعفها، وهي رؤية فيها الكثير من تصرف طير النعام عندما يدس رأسه في الأرض، وهي أبعد ما تكون عن الحـقيقة، إضافة إلى أنها نظرة عقيمة لا تؤدي إلى أية نتيجة، إذ أن اللهجات العامية العربية موجودة منذ القِدم وهي في تطور وتغير مستمر شأنها شأن اللغات الحية. ومن المؤكد تأكيد بزوغ الشمس من المشرق كل يوم أن هذه اللهجات ستظل موجودة إلى الأبد، فما هي الفائدة إذن من توجيه أصابع الاتهام إليها وتحميلها المسؤولية عن تراجع الفصحى؟ 

 كما أنه من الملاحظ أن معـظم  الشعـوب التي تعاني من ظاهرة الفوضى اللغـوية في زمن تجاوزت فيه العلوم والمعارف والـتـقـنيات والاتصالات والإختراعات والإكتشافات أقصى حدود الدقة والسرعة والتخصص هي نفسها أكثر الشعـوب تخلفا حضاريا وفـقـرا . فمما لا شك فيه أن عنصر اللغة هو العنصر الحاسم في تكوين وتشكيل العلاقات بين الناس كأفراد وبين الأمم وفي علاقة الناس والأمم بالعالم والكون والثقافة والعِـلم والتطور التقـني في كافة الميادين.      

 هكذا يجري تدمير  الفصحى  دون وجود علاقة للعامية  بما يجري 

 ومعـضلة الفوضى اللغوية التي تعاني منها الأمة العربية هي كبرى المعـضلات التي تواجه الأمة على الصعيد الثقافي، وهي المسؤولة مباشرة عن وجود باقي المشاكل الثقافية والحضارية التي نعاني منها والتي حولتنا إلى أمة تابعة لا تقدم للبشرية مساهمات حضارية ذات قيمة تذكر. ولا فائدة ترجى من قيام المسؤولين والمختصين بضرب رؤوسهم بالجدران كلما تطرقوا إلى قضية ضعف الفصحى وكيفية إنقاذها، إذ يركزون اتهاماتهم وحلولهم على ما يصفوه بالخطر الذي تشكله اللهجات المحلية العربية وعلى ضرورة الحد من هذا الخطر.    

 فالتراجع الذي تعاني منه الفصحى له مسببات لا علاقة لها بوجود اللهجات العامية التي يمكن اعـتبارها في نهاية المطاف غصونا متفرعة عن دوحة الفصحى ولا يمكن أن تـشكل خطرا عليها. ومن جملة هذه المسببات الإهمال الذي تعاني منه الفصحى من طرف مجامع اللغة العربية التي نجدها إما غائبة عن الساحة غيابا شبه تام، بينما الكلمات الغربـية ذات العلاقة بالعلوم والإختراعات والصناعات  تولد يوميا بالمئات، وإما نجدها خائضة معركة لا تمت إلى المعركة المطلوبة بصِلة. ومثالا على ذلك ما قيل لي من بعـض المطلعـين في الإمارات من أن المَجمع اللغـوي في القاهرة قد اعتمـد كلمة فاقس بدلا من كلمة فاكس، على أساس أن جهاز الفاكس يبدو وكأنه دجاجة تفقس ولكن بدلا من البيض الورق. فأي مضيَعة للوقت وللجهد هذه - اذا كان ما سمعـته صحيحا-!! فلا الشارع ولا وسائل الإعلام  عـمَدت في السنوات الأخيرة من قريب أو بعـيد  إلى استخدام كلمة فاقس الفظة هذه بـيـنما التحقت كلمة فاكس باللغة العربية التحاقا طـبـيعـيا حتى أصبح الناس يستخدمون فعل فاكَسَ ويُفاكِسُ ويُفاكِسون. وفي حالة وقوع اعتماد فاقس هذه بالفِعـل، فإن قرار المجمع يكون قد صدر بعـد نحو عشرين عاما من ظهور أجهزة الفاكس في المنطقة العربية، وهي فترة كانت كافية - نظرا للانتشار الشديد لجهاز الفاكس- لترسيخ جذور هذه الكلمة الأجنبية في اللغة العـربية. وما الضيْر في ضم هذه الكلمة إلى القاموس العربي بل وضم فعل فاكَسَ كفعـل جديد في لغـتـنا الفذة والقادرة عبر العصور على هضم الكثير من الكلمات غير العربية التي لا تخرج عن الحدود اللفظية والسمعـية للفصحى. ولدينا على ذلك من الأمثلة ما لاحصر له مثل تلفزيون وتلفاز وتلفزة حتى أصبح هناك فعل متداول بشكل اعتيادي وهو تلفزَ ويُتلفِز الأنباء. فأين الضرر من ذلك ما دامت الكلمة ذات تركيب لفظي وسمعي يخوّلها شرف الإلتحاق باللغة العـربية مُعَرّبة دون عـناء ولا تكلّف ولا  إجبار.

 ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصرالعمل الجبار الذي يقوم به دون استراحة المجمع الملكي للغة الاسبانية في مدريد في تنسيق كامل مع مجامع اللغة الاسبانية المنتشرة في بلدان أمريكا اللاتينية الناطقة بالقشتالية. فقد دأب هذا المجمع – إضافة إلى النشرات التي يصدرها وإلى عملية الرصد الدؤوبة التي يجريها لكل جديد يطرأ على اللغة بين صفوف المجتمع وفي مختلف ميادين العلم والمعرفة – بإصدار الطبعات الجديدة من قاموسه تباعا ليُلحق بكل طبعة جديدة الكلمات التي قرر المجمع دمجها بالقاموس لتصبح جزءا لا يتجزأ من اللغة القشتالية.    

 هذا من ناحية تقصير من يُفترض أن مهمّتهم في هذه الحياة هي السهر على تطوير الفصحى  وحمايتها، فما بالك فيما يتعلق بوسائل الإعلام العربية التي تشكل بحق عـدوا  للفصحى في الوقت الذي يُمكن أيضا  اعتبارها فيه المؤازر الأكبر لها. ويأتي هذا التناقض في دور وسائل الإعلام تجاه الفصحى نتيجة لأن طبـيعة العمل الإعلامي المطبوع والمسموع والمرئي تنطوي على الخطأ المستمر لمافي العمل الإعلامي من سرعة وملاحقة للأحداث وغزارة في الكلمة على مدار الساعات الأربع والعشرين من كل يوم، هذا إلى جانب العدد الهائل من وسائل الإعلام العاملة في العالم العربي. إضافة إلى هذا فإن ضعف التأهيل العِـلمي والثقافي لنسبة كبيرة من العاملين في الإعلام يُشكّل مصدر الطعـنة الأكبر التي تتلقاها الفصحى من وسائل الإعلام العـربـية إذ يقوم هؤلاء دون أدنى حرج  باستخدام  كلمات وتعـبـيرات لغـوية  مغــلوطة (مثل: "العـديد" و"مِن قِبَل" فُلان، وحدث "مؤخرا"والزيارة "استغـرقـت" ثلاثة أيام، إلخ )، و برفع المنصوب وجر المرفوع، فـيـتلقن الملايين من أبناء الأمة وناشئـتها لغـتهم مشوّهة وبشكل يومي، حتى أصبحت هذه المئات من الأخطاء شائعة وطاغـية.

  وبما أن المجتمعات العربية محكومة من لدُن حكومات بيدها الأمر والنهي على كافة الأصعدة فإن هذه الحكومات هي المسؤولة الأولى والأخيرة عما يجري في وسائل الإعلام من تشويه للفصحى وبالتالي من اعتداءٍ سافر على لغة القرآن الكريم. ولعل الطريقة الوحيدة لحماية اللغة من شرور المتطفلين على الإعلام وعلى اللغة العربية كمهنة هي في سَنّ القوانين الهادفة إلى حماية المهنة الصحفية من الدخلاء، كما هو الحال في عدد كبير من الدول الأوروبية، حيث يحصر القانون مهنة الصحفي سواء في الصحافة أم في التلفزة والإذاعة على حملة الإجازات الجامعـية بالصحافة. أما في البلاد العربية فإن دَمَ هذه المهنة مهدور منذ ظهورها إذ يحق لكل من هب ودب أن يعمل صحفيا في المؤسسات الإعلامية فور أن توافق إدارة المؤسسة المعـنية على التحاقه بها. وتدفع الفصحى من دمها أيضا منذ ظهور الصحافة العربية ثمن الدّم المهدور للمهنة الصحفية.

 ورغم ذلك فإنه من العـدل والإنصاف أن نذكر للصحافة العـربية المطـبوعة الفضل الكبير في نشر الفصحى بين قرائها على مدى القرن ونصف القرن الأخيرين، وهو دور يُذكر بالدرجة الثانية فالثالثة للإذاعة فالتلفزة.

 مشكلة انعـدام التشكيل

 غير أن هناك مشكلة ثالثة لربما هي أشد المشاكل التي تواجه الفصحى خطورة وقِدَما، إذ تعـود إلى عـدة قرون من الزمان، ولربما إلى نفس اليوم الذي بدأ فيه العـرب باستخدام اختراع غـوتيـمبرغ في الطباعة. وأعني بها ظاهرة عدم تشكيل الكلمات العـربية في النصوص المطبوعة، وهي ظاهرة لا  يملك المرء أمامها الا التفكير بأن هناك مؤامرة مدروسة ومدسوسة للقضاء على الفصحى من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي. فهل يتصوّر أحد منا أن بريطانيا أو الولايات المتحدة يمكن أن يصل بهما الجنون والإستهتار بلغـتهما ذات يوم إلى السماح بطباعة النصوص الإنجليزية دون إيراد حروف العِـلة أو بحذف سبعين بالمائة من حروف العِـلة؟! لا أعتقد أن هناك أمة على وجه الأرض قادرة على ارتكاب هذا الكم الهائل من الاستهتار تجاه لغـتها باستثناء الأمة العـربـية. ألهذه الدرجة نحتقر لغـتـنا حتى نطـبعها مشوهة تشويها يجعلها غامضة ومُبهمة اللهم إلا بالنسبة لعـلماء اللغة.

 وتساهم مشكلة غياب التشكيل التي فرضتها علينا فرضا مصانع الآلات الكاتبة والمطابع في الماضي  ومصانع  الحاسوب وبرامجه في الوقت الحالي في وجود هذا الجهل الخطير بلغـتـنا الفـصحى حتى بـين المثقـفين العـرب، وأعني بهم أصحاب الثقافة العـربية وليس العـرب المتفرنسون والمتأمركون.            

  ويجرنا هذا إلى التساؤل حول النسبة الحـقـيـقـية من المثـقـفـين والجامعـيين  العـرب القادرين على  قراءة أربع صفحات متـتالية وبدون توقف من  نص عربي غـير مشكلةٍ كلماته دون ارتكاب حد أدنى من عـشرة أخطاء في النطق. إنه لمن المؤكد أنها نسبة ضئيلة للغاية بل وفاضحة. أما مرتكبي حد أقصى من خمسة أخطاء فهم قـلة طليعـية، بـينما يُعتبر أولئك الذين لا يرتكبون أي خطأ لغـوي في قراءة الفصحى أو التحدث بها الصفوة من العـلماء المتبحرين باللغة. أما في أوروبا وأمريكا الشمالية فإن الصورة تـنعـكس تماما، إذ تـُصنف الفـئة الأولى  بين الجهلة، والثانية بين من يعانون من الركاكة اللغـوية، وتصنف الثالثة كفـئة مثقـفة ومتعـلمة – لا أكثر -،  دون أن تـنطبق النسَب النظرية التقريبية المذكورة في الحالة العـربـية على الحالتين الأوروبية والأمريكية التي تتقن الغالبية العـظمى من مثقـفيها وجامعــيـيها لغاتها الأم اتقانا كاملا في اللفظ والقـواعـد.

 ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر السياسيين والمسؤولين العرب من جهة، والسياسيين والمسؤولين الإسبان من جهة أخرى، وهما الحالتين اللتين أطلع عـليهما بشكل مباشر ومستمر ومنذ سنوات طويلة. فبـيـنما يندُر أن تستمتع لسياسي أو مسؤول عربي يتكلم اللغة العربية الفـصحى  بطلاقة ودقة – من يعـرف حالة واحدة فـليخبرنا-،  نجد السياسيين والمسؤولين الإسبان يتمتعـون بمقـدرة لغـوية باهـرة في غـزارتها ودقـتها. ونحن في الحالتين نتكلم عن فـئة من المثقـفين والمتعـلمين المتمرسين في استخدام اللغة ومخاطبة المجتمع  المحلي والدولي عبر  وسائل الإعلام . فإذا نقـلنا المقارنة إلى الصحفيين العاملين في محطات الإذاعة والتلفزة ارتطمنا بنفس النتيجة، حيث تُرتكب كميات كبيرة من الأخطاء النطـقية والنحوية في الجانب العـربي تقابلها كمية تكاد لا تذكر في الجانب الإسباني. ولعـلّه من المعروف أن عدداً لا يُستهان به من المذيعين العرب يعـمَدون إلى تسكين الحروف الأخيرة من الكلمات التي يقرأونها، تفاديا لارتكاب الأخطاء النحوية والصرفية.

 ولعل انعـدام التشكيل في النصوص المطبوعة بما فيها النصوص المدرسية (على سبـيل المثال لا الحصر فلنقلـِّب صفحات الكتب المقررة في الإمارات العربية المتحدة لتلاميذ الصف الأول الثانوي، لنفاجأ بانعـدام التشكيل في كافة هذه الكتب بما فيها كتاب اللغة العربـية) هو السبب الرئيسي لهذه النسبة الرهيبة من الجهل اللغـوي المستشري بـيننا كعـرب،  بما فينا المثـقـفين، إذ يؤدي قصورنا اللغـوي إلى أن نكون مجرد أشباه مثقـفـين، فأي مثقف في العالم هذا الذي لا يستطيع النطـق السليم بلغـته الأم؟ (ناهيك عـن نطـقـنا الركـيك ومفرداتـنا المحدودة إذا ما تـفـلسفـنا وتحدّثـنا بالإنجليزية أو الفرنسية بدلاً من العربـية).

 إن انعـدام التشكيل هو الطامة الكبرى التي حالت بين مثـقـفينا ولغـتهم الأم،  فلا يملكون زمامها الا فيما ندَر، إذ أنهم ينطقون بكلمات قلما شاهدوها مكتوبة بشكل صحيح. وهكذا نجد في العالم العربي أن النسبة الكبرى من الأطباء والمهندسين والمحامين والمدرّسين وغيرهم من الجامعـيين والمثقـفين لا يعرفون النطق الصحيح لمئات الكلمات التي يستخدمونها ويسمعـونها يوميا مثل (سفارة) و ( مفتاح) و ( مقعـد) و ( منطـقـة) و      (صحافة ) و ( صحفي) و ( سـم)  و( حـقـبة) و ( لغـوي) و ( حلقة) وهـلم جرا . وكما نرى فهى كلمات ذات استعـمال يومي يتخبط فيه المثـقـفون بما فيهم المذيـعـين ( الذين يُفترض أنهم يتمتعـون بأقصى مقدرة على النطـق السليم)  فما بالك الكلمات الأقل استخداماً وأكثر وروداً في النصوص الأدبـية والدينية والعـلمية. فاذا أضفنا إلى ذلك الضعـف في التصريف والنحو وما يجرّه من أخطاء في تشكيل الحرف الأخير من الكلمة، أدركنا مدى فداحة الجريمة التي تـُرتكب بحق الفـُصحى بطـباعـتها غير مُشكّلة، حتى تحولت المئات من الكلمات الى أحاجي يعـزّ  فك ألغازها إلا على مشايخ الأزهر وحملة الدكتوراة في الصرف والنحو.       

 غير أن المأساة لا تكمن في أننا أصحاب لغة لا يتقنها ولا حتى المثقـفون والجامعـيون منا، بل إن المأساة تكمن في أن هذا الحضيض الذي وصلنا إليه لغـويا قد أصبح اعتيادياً وروتينياً لدينا، وأصبح يُشكِّلُ جزءاً لا يتجزأ من حياتنا الثقافية والعـلمية والإتصالية.

 وهل هناك من حل؟

مما لاشك فيه أن الوضع المتدهور للفصحى يثير قلق قطاعات واسعة من المثقفين والمسؤولين العـرب وأنه يتعين اللجوء إلى إعـتماد حلول جذرية من شأنها أن تؤمِّن على المدى المتوسط  ( قبل انتصاف القرن الجاري) استرداد الفصحى لرونقها وعـظمتها  وإعادتها بكامل حلتها إلى  المثقـفين من أبناء هذه الأمة، ومن ثم إلى قطاعات أوسع من العـرب. ومما لاشك فيه أيضا أن حلولا طموحة كثيرة قد اقتُرحت وقـُرِّرت  في هذا المضمار دون أن يجري تنفيذ الغالبية العـظمى منها، كما هو الأمر بالنسبة لمعـظم القرارات التي تتخذ في المؤتمرات  العربية الرسمية وغير الرسمية، إذ تبقى مُجرد حبر على ورق، لاسيما ما يتعـلق منها بالقرارات المتعـلقة بالثقافة والاعلام.   

 والاجراء الأول الذي أعـتـقـد، حسب تصوري، أنه يتعـيّن تطبيقه دون تأخير هو إصدار القرارات الحكومية في كل الدول العربـية التي تمنع منعاً  باتاً -مهما كلف الأمر -  طباعة اللغة العـربية بدون تشكيل كلماتها، وهو أمر أصبح في متناول مصانع الحاسوب والمبرمجين سواء على مستوى المطابع الكبرى أم على مستوى الحاسوب الشخصي وهي الأجهزة والبرامج التي تـنـتجها شركات أجنبية لا تهمها لغـتـنا ولا ثقافـتـنا من بعـيد أو قريب.  ويتعـين والحالة هذه أن تتخذ الحكومات العـربـية إجراءات تجبر هذه الشركات على احترام لغـتـنا والعـناية بها. وقد واجهت الحكومة الإسبانية منذ سنوات مشكلة شبيهة ولكن على مستوى أجهزة الحاسوب الشخصي، عندما أخذ منتجو هذه الأجهزة من خارج إسبانيا بحذف حرف( نيـيه Ñ)  الإسباني من الأجهزة التي يصدرونها الى إسبانيا، رغبة منهم في توفير التكاليف بتوحيد الإنتاج، دون الأخذ بعين الإعـتبار خصوصيات اللغة الإسبانية، وهي القضية التي وصلت إلى أعلى مستويات الدولة وإلى البرلمان، وأثارت ضجة كبرى في وسائل الإعلام الإسبانية.  وتمكنت سلطات مدريد في النهاية من حسم هذه القضية مع الشركات الأجنبية المنتجة التي اضطرت الى الرضوخ لمطالب إسبانيا حرصا منها على الإحتفاظ بمبـيعاتها في السوق الإسبانية وأسواق دول أمريكا اللاتينية الناطقة بالإسبانية والتي وقفت بعـض حكوماتها مؤازرة لحكومة مدريد في هذه القضية. أما مشكلتنا فتـتركز في آلات الطباعة الكبرى التي تنتج الكتب والصحف والمجلات وغيرها من المطبوعات .

 وبالطبع فإن الإجراء المذكور يتعـين أن يبدأ بالكتب المدرسية عبر كافة مراحل الدراسة بما فيها الجامعـية. إضافة الى ذلك فإنه بمقدرة مبرمجي الحاسوب العرب حاليا أن يصمموا أنظمة قادرة على التشكيل التلقائي للكلمات أخذا بعـين الإعتبار مختلف قواعد الصرف والنحو بحيث تُشكّل اللغة بأكملها، وهو ما من شأنه أن يُساعد إلى حد كبـير على صيانة لغـتـنا فلا يُكتب نص إلا وخرج صحيحا دقيقا، طالما أن العـلم وتكنولوجيا البرمجة تسمح لنا بذلك.

 ولا يتجاوز الإقتراح أعلاه ما يجري تطـبيـقه منذ زمن بعـيد في طباعة القرآن الكريم التي لا يكاد يخلو حرف فيها من التشكيل دون أن تكون هناك حاجة إلى الوصول إلى مثل هذا المستوى الرفيع والمفصّل في التشكيل بل يكفي في النصوص العادية ألاّ  يدع التشكيل مجالا لأي لبس بشأن اللفظ الصحيح لكل من كلمات النص .

ويتعين أيضا ألا ننسى الكم الهائل من مفردات اللغة العـربية التي سقطت في حيز النسيان نتيجة للتراجع اللغوي الذي نعاني منه وضرورة استرداد نسبة كبيرة من هذه الكلمات إذ أننا بحاجة ماسة لها،  لما تنطوي عليه من دقة في التعـبير في معان كثيرة. 

 فاذا تم لنا الغرض الأول وصححنا لسان العرب تجاه لغـتهم الفصحى بتعـرفهم على اللفظ الصحيح لكل فعـل واسم وحرف في نصوصها المطبوعة، تطلعـنا إلى حل المعضلة الثانية التي تواجه الفصحى،  أي إلى الخروج بها من البُرج العاجي الذي زُجت به، والتي أمست فيه لغة لا يدركها ويفهمها ويكتبها ويقرأها بشكل صحيح إلا فئة محدودة من مثقـفي وفطاحل المجتمع، لتصبح لغة الأمة بأكملها كما هي الحال في يومنا هذا بالنسبة للغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، على سبـيل المثال.      

 ويتحتم عـلينا من أجل بلوغ هذا الهدف إزالة الحواجز النفـسية والأسوار الثقافية والإجتماعـية  التي تحول في وقـتـنا هذا بين الفصحى واللهجات العامية المتفرعة عن العـربية. ونذكر في هذا المضمار أن لغات أوروبية كالإسبانية والإيطالية والفرنسية لم تكن في يوم من الأيام سوى لهجات متفرعة عن اللغة اللاتينية، إلى أن تم اعتماد هذه اللهجات كلغات مستقلة بحد ذاتها، مما انتهى باللاتينية إلى أن تصبح كما هي عـليه اليوم من لغة شبه ميتة، لولا اعـتمادها لغة رسمية للفاتيكان والكنائس الكاثوليكية في أنحاء العالم، إضافة إلى كونها المنبع الذي تشتق منه المصطلحات والأسماء الجديدة التي تظهر باستمرار في مختلف ميادين العلوم والمعرفة.

 أما في العالم العربي فلولا القرآن الكريم الذي جمع العرب على لغة  عبقرية وعريقة لكانت هذه اللغة قد آلت إلى مصير أسوأ بكثير من مصير اللاتـيـنـية، ولتحولت لهجاتنا المحلية الى لغات رسمية لكل من البلدان العربـية.

 وتـُعتبر مهمة تحطيم الحواجز والأسوار النفسية والاجتماعية بين الفصحى والعاميات مهمة بالغة الصعـوبة لاسيما إذا تُرك الأمر بـيد هذه الفئة الصغـيرة من علماء اللغة التي سرعان ما ستـنبري في هجوم شرس على اللهجات العامية واصفة إياها – كما تدّعي ظلما وعدوانا منذ سنوات طويلة – بأنها العـدو الأكبر للفصحى، فيتصدون لها تصدياً صلبا لا يُمارسون مثله البـته تجاه اللغات الأجنبية التي تصدِّر لنا مئات الكلمات بشكل يومي ولا تجاه الملايين من المتأمركين والمتفرنسين العرب لغـويا، ممن يشكلون خطرا وتهديدا حقيقيين للفصحى.                

 وما دمنا نستورد من اللغات الأوروبـية – راضين أم مقهورين – مئات من الكلمات مثل سوسيولوجيا وسيكولوجيا وسينما وتلفزيون وراديو وفيديو، والتي نقرأها في مجلاتـنا الثقافية وصحـفـنا ونسمعها عبر وسائل الاعلام،  فأي منطق يمكن أن يُبرر هذه الحواجز والأسوار التي تحول دون إثراء الفصحى بكلمات وعبارات نمطية تـنـتـمي أصلا الى العاميات العربـية والتي هي في نهاية المطاف جزءا غاليا وحميما من تراثـنا وحضارتـنا، رغم ما تضمه من كلمات ذات أصول غير عربـية، كالتركية والفرنسية والإنجليزية.

 ومن المفروغ منه أن اللغات تـتـطور وتتشكل على مدى العـصور وأن هذا التطور والتشكل يأتي من رافدين أساسيين الأول هو الشارع والمجتمع الذي يقرر حال اللغة في كل حـقـبة زمنية، رافداً إياها بالكلمات الجديدة، ومستـثـنيا من الإستخدام كلمات ربما استمر استخدامها لقرون من الزمان قبل ذلك. أما الرافد الثاني فهي العلوم والإكتشافات والإختراعات.

 فاذا كان هذين الرافدين ممنوعـين تماما ومنذ قرون على الفصحى، اذ أنها غير مُتداولة بين صفوف المجتمع وفي الشارع، ولا هي لغة العلماء والمكتشفـين والمخترعـين في عصرنا هذا، فكيف تستطيع إذن هذه اللغة أن تمارس حياتها  فـتـتطور وتتشكل على مر السنين ؟! إن حرمان اللغة من أحد الرافدين المذكورين لا يختلف في الواقع عن قص أحد جناحي الطير فلا يتسنى له الطيران بل التخبط على الأرض . إن الإمتداد الطـبـيعي للفصحى  يكمن في اللهجات العامية العـربية التي تشكِّل العـمق الإستراتيجي للغةِ القرآن الكريم.

 اذن فإن الحل المنطقي والواقعي، الكفيل بوضع نهاية وإلى الأبد لقرون طويلة من الصراع العـقـيم والمفـتعـل، يكمُن في إثراء الفصحى (نعم، إثراءها) بمئات -بل آلاف- الكلمات المنتمية أصلا إلى العاميات، والتي هي  (أي الكلمات) ذات أصول وجذور فصحى لا ريب فيها . ومن الأمثلة على هذه الكلمات نجد في اللهجة المصرية الرئيسة ( كده) بمعـنى (هكذا) و ( ده : هذا ) و في الفلسطينية الرئيسة نجد (هادي: هذه) و ( هادا: هذا) وفي الكويتية (يبي : يبغي أي يريد ) و (الريّال: الرجل) وهي أيضا (رجّال) في الفلسطينية و ( راجل) في المصرية، الى آخر ذلك من الكلمات التي تعـد بالآلاف في مختلف اللهجات العربية الرئيسية وغير الرئيسة والتي لا تحيد قيد أنملة عن الفصحى ضاربة بجذورها في عـمق التاريخ اللغـوي العربي.

 وبهذا الصدد لنلقي نظرة على القاموس الصادر عن المجمع الملكي للغة الاسبانية في مدريد، لنجد أنه يضم الكثير من الكلمات التي لا تنتمي أصلا الى القـشتالية، ولكنها تُستخدم في دول أمريكا اللاتينية الناطقة باللغة الاسبانية كجزء لا يتجزأ من اللغة الدارجة هناك. ولم تحاول السلطات العـلمية والثقافية واللغـوية في إسبانيا في يوم من الأيام أن تصنف هذه الكلمات والعبارات النمطية كلهجات عامية، ولا أن تحتقرها- كما تفعـل  السلطات اللغوية عندنا تجاه اللهجات العامية العـربية- بل يجري ضم هذه الكلمات والعبارت إلى القاموس الرسمي للغة القشتالية، مع الإشارة إلى جانب كل كلمة وعبارة منها إلى البلد الذي تُستخدم فيه. إلا أن حركة السياحة الهائلة التي تسجَّل منذ بداية الربع الأخير من القرن العـشرين، إضافة الى انتشار الأغاني عابرة القارات والحدود، وكذلك وتبادل الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية بين إسبانيا ودول أمريكا الاتينية، أدى إلى انتقال الكثير من الكلمات والتعابير الشعبية المستخدمة في أمريكا اللاتينية إلى الشارع الإسباني ومِنه إلى القاموس الإسباني . وهذه الظاهرة تـنطبق بحذافيرها على الحالة العـربية التي نحن بصددها، حيث أصبحت المجتمعات العربية تتبادل الكلمات والتعابير النابعة من لهجاتها المحلية فإذ بها تُستخدم خارج حدودها المحلية وبشكل طبـيعي واعتيادي سواء على مستوى البيت أم الشارع أم في الأغنية والمسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية. ويجري كل هذا بـمعـزل عن اللغة الفصحى المحرومة من الإستفادة والمشاركة الفعالة في هذه الظاهرة اللغـوية الحيوية والصحيّة.      

 إن العـمل رسميا على دمج مساحات من اللهجات العامية العـربية  في العربية الفصحى  سيؤدي تدريجيا وخلال القرن الحادي والعشرين – في حالة استمرار تنفيذه بجدية واستمرارية – إلى إذابة نسبة كبيرة من مشكلتيّ ازدواجية وفوضى اللغة في مجتمعاتنا العربـية المتخبطة بين لهجات  وفصحى، وإلى تحويل هذه اللهجات المتصلة بالحياة والمجتمع إتصالا حميما، الى روافد جبارة  للغة الأم من شأنها أن تعـيد لها العـنفـوان والرونق والهيمنة.

- - - - - - - - - 



DEJE AQUÍ SU COMENTARIO    (VER COMENTARIOS)


COMPARTIR EN:

Todos los derechos reservados كافة الحقوق محفوظة - Editor: Saïd Alami محرر الـموقـع: سـعـيـد العـَـلـمي
E-mail: said@saidalami.com